«إن هذا الاتحاد لن ينفصم» - 28 سبتمبر 2013

صحيفة المدينة

«إن هذا الاتحاد لن ينفصم» - 28 سبتمبر 2013

2021-10-11    603

حينَ خرجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلمَ مُفَارِقاً وطنَهُ مكةَ، وسار مُبْتَعِداً عنها، وقفَ بالجُحْفةِ مُستقبلاً ديارَهُ الأولى، فاستعبرَ وبكى حنيناً وشوقاً إلى مكةَ، فأنزلَ اللهُ عزَّ وجلَّ عليهِ قَوْلَهُ: (إنَّ الذي فَرَضَ عليكَ القُرآنَ لَرَادُّكَ إلى مَعَادٍ) .. أيْ: مُرْجِعُكَ ومُعِيْدُكَ إليها .
هذا الموقفُ النبويُّ، وهذه التَّسْليةُ القرآنيةُ تَقِفُنا على حقيقةِ هذهِ العلاقةِ الفطريَّةِ بين الإنسانِ والأوطانِ .
إنَّها علاقةٌ وَطيدةٌ لاتحتاجُ إلى تفسيرٍ ولا إلى تحليلٍ .
علاقةٌ تتجاوزُ المشاعرَ العابرةَ، والأحاسيسَ المستعجِلة .
علاقةٌ تجعلُ الخروجَ من الأوطانِ قريناً للموت! ألم يقل سبحانَهُ: ( ولو أنَّا كتبنا عليهم أَنِ اقتُلُوا أنفسَكُم أوِ اخْرُجُوا من ديارِكُم ما فَعَلُوه إلا قَلِيْلٌ منهم) .
وفي هذا مافيهِ من جلالةِ حبِّ الوطنِ، وصعوبةِ مفارقتِهِ .
ما السرُّ في الوطنِ ؟
ما السرُّ في هذهِ الكلمةِ القصيرةِ المكوَّنةِ من ثلاثةِ أحرفٍ لا أكثرَ ؟!
(الواوُ) ولادةٌ .. و(الطاءُ) طفولةٌ .. و(النونُ) نموٌّ .
فيكونُ الوطنُ هو الإنسانَ في مراحلِ حياتِهِ كلِّها .
الواو (وُضوءٌ) .. و(الطاءُ) طهارةٌ .. و(النونُ) نقاء .
فيكونُ الوطنُ هو الإنسانَ في جانبِهِ الطاهرِ النقيّ .
الواوُ (وعدٌ) .. و(الطاءُ) طموحٌ .. و(النون) نهضة .
فيكون الوطنُ هو الإنسانَ في أحلامِهِ وتطلعاتِهِ لغدٍ أفضل .
إنَّ (الوطنَ) أيُّها السادةُ يضمُّ ذلك كلَّهُ ويزيدُ عليهِ .
وعلاقةُ الإنسانِ بوطنِهِ ليستْ علاقةَ حبٍّ وإجلالٍ فحسبُ، بل هي أيضاً علاقةُ التزامٍ وعملٍ، ولذلك قال شوقي رحمه اللهُ :
وللأوطانِ في دمِ كلِّ حُرٍّ ... يدٌ سَلفَتْ وَدَيْنٌ مُسْتَحقُّ
نعم .. دَيْنٌ مستحَقٌّ لا بدَّ من الوفاءِ به .
ومن وفاءِ الدَّيْنِ للأوطانِ أَنْ يلهجَ اللسانُ بحبِّها، ويجريَ القلمُ بالتَّغنِّي بها .
ومن وفاء الدَّيْنِ للأوطانِ أنْ يقومَ الإنسانُ بما عُهِدَ إليه من مُهِمَّاتِها خيرَ قيامٍ .
ومن وفاءِ الدَّيْنِ للأوطانِ أَنْ يحافظَ الإنسانُ على مصالحِها وثرواتِها وخيراتِها، وأنْ يقدِّمَ مصالحَها العامَّةَ على مصلحتِهِ الخاصَّةِ .
لقد أَكْرَمَنا اللهُ في وطنِنا (المملكةِ العربيةِ السعوديّةِ) بأنْ جمعَ لنا الدينَ والدُّنيا .
فجعل بلادَنا مَحْضِنَ الحرمينِ الشريفينِ، ومَنْزِلَ الوَحْيِ المباركِ، ومَوْلِدَ خيرِ الخلقِ صلى اللهُ عليه وسلمَ، وقِبلةَ المسلمينَ حيثُ كانوا، وجعلَ تأسِيْسَها قائماً على تعاونٍ تاريخيٍّ بينَ رجلِ الدولةِ ورجلِ العلمِ، في رباطٍ وثيقٍ لا ينفصمُ بإذن الله أبداً .
ثم جعَلَها سُبحانَهُ مستودعَ الثرواتِ، وأرضَ الخيراتِ والبركاتِ، فأَجْرَى عليها نِعَمَهُ ظاهرةً وباطنةً .
وواجبُ الشُّكْرِ على هاتين النعمتينِ يَقْتَضي منا أن نحافظَ على الدِّيْنِ والدُّنيا .
أما الدِّيْنُ فبالالتزامِ بشرعِ اللهِ في كل صغيرةٍ وكبيرةٍ، وبالحفاظِ الشديدِ على الشراكةِ التاريخيةِ بين القيادةِ المدنيةِ والقيادةِ الدينيةِ، وبالحذرِ من كلِّ فكرةٍ أو دعوةٍ تُقوِّضُ هذا التناسقَ الجميلَ .
وأما الدنيا فبِشُكْرِ المولى جلَّ جلالُهُ على ما أنعَمَ علينا وَأَفْضَلَ، وأَكْرَمَ وأَجْزَلَ، وأفاضَ وأعطى، فلهُ الحمدُ أولاً وآخِراً .
إنّنا في مثلِ هذه الأيامِ الغرّاءِ نستذكرُ سيرةَ الجدودِ المؤَسِّسِيْنَ، نستذكرُ موحِّدَ هذه البلادِ الملكَ عبدَ العزيز آل سعود رحمه الله، ونستذكرُ معه رجالاتِهِ الذينَ جادوا بأنفسهم في سبيلِ تأسيسِ كيانٍ إسلاميٍّ يقودُ دفَّة الحضارةِ ببوصلةِ الإسلام .
نستذكرُ ثلاثةً وثمانينَ عاماً من اجتماعِ الكلمةِ تحتَ رايةِ التوحيدِ، رايةِ (لاإلهَ إلا اللهُ محمدٌ رسولُ الله) .
كما نستذكرُ تاريخاً مجيداً حافلاً من الإنجازاتِ التي تعاقبَ عليها ملوكُ هذهِ البلادِ الأماجدُ رحمهم الله، وأتمَّ مسيرتَها ودفعَ بها إلى الأمام: خادمُ الحرمينِ الشريفينِ الملكِ عبدالله بنِ عبدالعزيز حفظه اللهُ .


مشاركة :